أكد علماء الأصول أن خطاب (الوحيين) خاطب الرجل والمرأة على حد سواء واستدلوا بقوله تعالى (إن المسلمين والمسلمات) فلو كان مدلول المسلمات داخلاً في عموم المسلمين لما حسن هذا لأنه يكون تكراراً بلا فائدة، ومعاذ الله أن يكون كلامه عز وجل يحمل التكرار، وسبب نزول هذه الآية قول أم سلمة يا رسول الله ما لنا لا نذكر في القرآن الكريم كما يذكر الرجال؟ قالت فلم يرعني منه ذات يوم إلا وهو ينادي على المنبر أيها الناس قالت وأنا أسرح شعري فلفته ثم دنوت من الباب فسمعته يقول إن الله عز وجل يقول (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) فكانت المساواة. يقول الإمام أحمد بأن اللفظ أطلق للمذكر والمؤنث جميعاً كما في قوله تعالى (اهبطوا منها جميعاً) وهو خطاب لآدم وحواء والأصل في الإطلاق الحقيقي عموماً فإن النساء يدخلهم في المخاطبة والأحكام والتكاليف من باب التغليب كما في قوله تعالى (أجيبوا داعي الله) فيدخل النساء في ذلك. كما اندرج النساء تحت لفظ المسلمين كما يقول الإمام الشوكاني وعليه فإن تعاليم الإسلام وأحكامه قاطبة هي للنساء والرجال على السواء. تابعت في «عكاظ» الجدل الفقهي حول جواز زيارة النساء للقبور بين مؤيد ومعارض، فهذا الموضوع يهم الكثيرات ممن فقدن أعزاء لهن في الحياة ويتمنين زيارة قبورهن، فهن مثل الرجال يجدن راحة في هذه الزيارة والدعاء لأمواتهن. لقد أجمع العلماء على جواز زيارة القبور للرجال ولكنهم اختلفوا في زيارة المرأة فمنهم من حرمها ومنهم من كرهها ومنهم من أباحها على حسب أدلتهم وما وصلهم من الحديث فمنهم من قال إن زيارة النساء للقبور مثل الرجال مندوبة ما لم تترتب عليها موانع شرعية من نياحة، أو تبرج، أو خوف فتنة، وهو مذهب أبي حنيفة، واتكأ الأحناف على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، أَلَا فَزُورُوهَا». وصرحوا في الْمُجْتَبَى بِأَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ. وقال الكرخي في رد المحتار: «الرُّخْصَةَ ثَابِتَةٌ للنساء.» وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يُعَلِّمُ السَّلَامَ عَلَى الْمَوْتَى السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الدَّارُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا -إنْ شَاءَ اللَّهُ- بِكُمْ لَاحِقُونَ أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَة، فتعليمه كان للرجال والنساء على السواء، وكذا المالكية ومنهم الثعالبي في كتابه «الْعُلُومِ الْفَاخِرَةِ فِي النَّظَرِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ» أباح الزيارة للنساء القواعد وحرمها عَلَى الشَّوَابِّ اللَّوَاتِي يُخْشَى عَلَيْهِنَّ الْفِتْنَةِ، وَذَكَرَ أَحَادِيثَ تَقْضِي الْحَثَّ عَلَى زِيَارَةِ الْقُبُور، وقال بعض الشافعية والحنابلة إنها سنة مسنونة، وأباح فريق ثالث الزيارة للقواعد وحرمها على الشواب اللاتي يخشى عليهن الفتنة. وهناك من يقول: إن زيارة القبور فرض ولو مرة في العمر على الرجال والنساء لا فرق بينهما وهو مذهب: الظاهرية، قال ابن حزم: وتستحب زيارة القبور وهو فرض ولو مرة الرجال والنساء في ذلك سواء. وهناك عدة أحاديث تدل على جواز زيارة النساء للقبور منها حديث عائشة قالت: كيف أقول لهم يا رسول الله قال: قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون. وقد مر نبي الرحمة بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتقي الله واصبري فإنما الصبر عند الصدمة الأولى. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وترغب في الآخرة، وعن علي بن الحسين أن فاطمة بنت النبي كانت كل جمعة تصلي وتبكي عند قبر عمها حمزة بن عبدالمطلب. ولما توفي عبدالرحمن بن أبي بكر فدفن في مكة زارت قبره أخته عائشة وقالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت ولو شهدتك ما زرتك، وفي البخاري عن أم عطية قالت نُهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزّم علينا، أي لم يؤكد علينا في المنع كما أكده في غيره من المنهيات فكأنها قالت كُرّه لنا اتباع الجنائز بغير تحريم، وقال القرطبي ظاهر سياق أم عطية أن النهي نهي تنزيه وبه قال جمهور العلماء، وكان رسول الله في جنازة فرأى عمر امرأة فصاح بها فقال نبي الرحمة (دعها يا عمر) كما أورد القرطبي أن حديث رسول الله (لعن الله زائرات القبور) أنه لعن للمكثرات من الزيارة. ولابن تيمية في الفتاوى غاية ما يقال في قوله عليه الصلاة والسلام (فزوروا القبور) خطاب عام، يتناول الرجال والنساء. وقد دلت هذه الأحاديث على أن زيارة النساء للقبور مستحبة مثل الرجال وأن النهي الوارد في ذلك منسوخ بأحاديث الأمر بزيارة القبور، وقد أقر صلى الله عليه وسلم الزيارة للقبر للمرأة وأنكر عليها البكاء عند المصيبة. وقالت عائشة إن الرسول كان قد نهى عن زيارة النساء للمقابر ثم أمر بزيارتها. ولما توفي الحسن بن الحسن بن علي قامت عليه زوجته فاطمة بنت الحسين تبكي على القبر، فجعلت تصك وجهها بيديها وهي حاسرة، فقال لها عبدالله بن عمرو بن عثمان: كفي عن وجهك، فإن لنا به حاجة! فأدخلتهما في كميها حتى انصرف الناس. كل هذه الأحاديث مجتمعة تعضد رأي المبيحين للنساء زيارة القبور والوقوف عليها طلباً للرحمة وتذكيراً بالآخرة.